أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تقريراً عن أزمة التغذية في اليمن وتأثيرها على الأطفال وعلى المجتمع واقتصاد البلاد. وختمت المنظمة تقريرها بمجموعة من المقترحات والتوصيات في سبيل معالجة هذه الأزمة. وفيما يلي ملخص لأهم ما جاء في التقرير.
يرتبط سوء التغذية، على الصعيد العالمي، بنحو نصف حالات الوفاة بين الأطفال دون سن الخامسة؛ مما يؤكد الحاجة الماسة إلى تدخلات مستهدفة لمنع سوء التغذية وعلاجه. ويجسد اليمن هذه الحاجة الملحة، حيث تتجاوز معدلات التقزم المتوسطات الإقليمية والعالمية.
يواجه اليمن أزمة إنسانية ذات آثار وخيمة على تغذية الأطفال؛ فقد أدى الصراع المستمر، والانكماش الاقتصادي، وسوء الخدمات في مجال الصرف الصحي والنظافة، والأمراض المعدية، وتدهور نظام الرعاية الصحية إلى إصابة ما يقرب من نصف أطفال البلاد دون سن الخامسة بسوء التغذية المزمن، وارتفاع معدلات التقزم.
ويواجه أطفال اليمن مستقبلاً يشكله سوء التغذية في بلد يتلاشى فيه الخط الفاصل بين البقاء والنمو كل يوم. وتهدد أزمةُ التغذية بين أطفال اليمن النموَ الاقتصاديَ للبلاد، وتؤدي إلى إطالة أمد الفقر على نطاق واسع، والذي يؤثر حالياً على 80% من السكان. ولهذا فإن اتخاذ إجراءات عاجلة ومفصلة وشاملة أمر بالغ الأهمية لعكس هذا الاتجاه القاتم.
حتى في مرحلة ما قبل الحرب، كان اليمن، باعتباره أحد أفقر البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعاني من تحديات غذائية كبيرة. فقد أظهر المسح السكاني والصحي لليمن، لعام 2013م، أن أكثر من 4 من كل 10 أطفال (دون سن الخامسة) يعانون من التقزم، وأن أكثر من طفل واحد من كل 10 أطفال، مصابين بالتقزم، يعانون من التقزم الوخيم؛ مما يتركهم في وضع حرج للغاية. وأظهر المسح أن 9 من كل 10 أطفال دون سن الخامسة مصابين بحالات فقر الدم؛ وهذا يعيق نموهم المعرفي ويضعف مناعتهم ويقلل من أدائهم البدني والعقلي. وحتى في أوقات السلام النسبي فإن العوامل التي ساهمت في وصول الأطفال لتلك الحالة استمرت في الحدوث: مثل انعدام الأمن الغذائي، والبنية التحتية الصحية غير الملائمة، والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.
بيانات إحصائية:
على مدى العقد الماضي لم يتحسن الوضع الغذائي في اليمن رغم انخفاض حدة الصراع. فقد استقر التقزم عند 49% من الأطفال (دون سن الخامسة) على المستوى الوطني.
وتشير هذه الأرقام الخاصة بالتقزم إلى مستويات أعلى بكثير من متوسطات معدل التقزم في العالم والشرق الأوسط، فقد ارتفعت نسبة التقزم في اليمن، خلال العقد الماضي، من 47% في عام 2013م إلى 49% في عام 2022م. وانخفضت معدلات التقزم، لدى الأطفال، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 26% في عام 2000م إلى 18% في عام 2022م. وانخفضت المعدلات العالمية لانتشار التقزم من 26.3% في عام 2012م إلى 22.3% في عام 2022م. ويتبين من هذه الأرقام أن معدل انتشار التقزم في اليمن بلغ أكثر من ضعف المتوسط العالمي وأكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط الإقليمي.
وتضاعفت حالات التقزم الوخيم إلى 21%، ويعاني حوالي 17% من الأطفال الصغار من النحافة الشديدة أو الهزال؛ بسبب سوء التغذية الحاد، وخاصة في الأسر الأشد فقراً. ويعاني 4 من كل 10 أطفال دون سن الخامسة (41%) من نقص الوزن. وهذا يرسم صورة مقلقة للمعاناة التغذوية الواسعة النطاق التي يواجهها الشعب اليمني.
التقزم
(المتوسط على المستوى الوطني) |
الهزال
(متوسط وحاد) |
نقص الوزن
(المتوسط على المستوى الوطني) |
49% تقزم عام
21% تقزم حاد |
17% | 41% |
الفوارق الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية
أعلى معدل تقزم | محافظة ريمة (69%) |
أقل معدل تقزم | محافظة المهرة (22%) |
المناطق الحضرية | 39.5% |
المناطق الريفية | 52% |
الأسر الأكثر فقراً | 60% |
الأسر الأكثر ثراءً | 31% |
الأطفال المصابون بالتقزم المولودون لأمهات ليس لديهن تعليم رسمي | 54% |
الأطفال المصابون بالتقزم المولودون لأمهات حاصلات على تعليم عالٍ | 34% |
وتشير التقديرات، في عام 2023م، إلى أن 2.2 مليون طفل دون سن الخامسة، و1.3 مليون امرأة حامل أو مرضعة، يحتاجون إلى علاج سوء التغذية الحاد، وأن 20 % فقط من الأطفال في اليمن يرضعون رضاعة طبيعية خالصة خلال الأشهر الستة الأولى من حياتهم، وأقل من نصف الأطفال دون سن الثانية يحصلون على وجبات كافية كل يوم. وهذا أقل بكثير من المستويات الموصى بها اللازمة لضمان بقاء الأطفال على قيد الحياة ونموهم بصحة جيدة.
الإنجازات الرئيسية لليونيسف في عام 2024م:
– فحص ما يقرب من 4.8 ملايين طفل للتأكد من إصابتهم بالهزال (108% من المستهدف).
– إدخال ما يقرب من 430,000 طفل ممن يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد للعلاج (86% من المستهدف).
– توفير فيتامين (أ) لحوالي 2.5 مليون طفل (52% من المستهدف).
– تنفيذ مبادرات التخلص من الديدان لـ 1.7 مليون طفل (64% من المستهدف).
– توفير مسحوق المغذيات الدقيقة لأكثر من 1.9 مليون طفل (70% من المستهدف).
– إعطاء حمض الفوليك لأكثر من 446,000 فتاة (61% من المستهدف)؛ مما يساعد في الوقاية من فقر الدم.
– تزويد 2.3 مليون امرأةٍ حاملٍ بالحديدِ وحمضِ الفوليك (154% من المستهدف).
تعريفات:
التقزم | الهزال | نقص الوزن |
طول منخفض بالنسبة للعمر | وزن منخفض بالنسبة للعمر | وزن منخفض بالنسبة للطول |
التقزم:
هي الحالة التي يكون فيها طول الطفل بالنسبة للعمر أقل من متوسط معايير نمو الطفل القياسية لمنظمة الصحة العالمية بمقدار انحرافين معياريين. وهي نتيجةٌ لنقص التغذية المزمن أو المتكرر، والذي يرتبط عادة بالفقر، وسوء صحة الأم وتغذيتها، والمرض المتكرر أو الاطعام والرعاية غير الملائمين في وقت مبكر من حياة الطفل.
ويمنع التقزم الأطفال من الوصول إلى إمكاناتهم البدنية والإدراكية؛ وبالتالي فإن الأطفال الذين يعانون من التقزم سيتأخر النمو الإدراكي لديهم مع ظهور الأعراض التالية: تأخير في التقلب والجلوس والحبو والمشي، ومشاكل في المهارات الحركية الدقيقة، وفي فهم ما يقوله الآخرون، وصعوبة في حل المشكلات، وتأخر في تعلم المهارات الاجتماعية، ومشاكل في النطق أو تأخر في القدرة على الكلام.
توصيات:
حثت منظمة (اليونيسف) على الاستثمار في تغذية الأطفال، وقالت: إن ذلك ليس مجرد أمر يلزم فعله فحسب، بل هو أيضاً خطوة اقتصادية ذكية. فمقابل كل دولار أمريكي، يُنفق على منع سوء التغذية لدى الأطفال الصغار، هناك عائد اقتصادي يصل إلى 35 دولاراً. وذلك لأن الأطفال جيدي التغذية يميلون إلى أن يكونوا أكثر صحة، ويحققون مستويات تعليمية أعلى، ويساهمون بشكل أكبر في الاقتصاد من خلال زيادة الإنتاجية. وعندما يقترن هذا الاستثمار ذو الأولوية بالجهود الأخرى في مجال الصحة والحد من الفقر، فإنه لا يحسن حياة الملايين فحسب، بل إنه يصبح أيضاً رافعة رئيسية للنمو الاقتصادي والتغيير الاجتماعي.
ودعت المنظمة إلى إعطاء الأولوية للوقاية من سوء التغذية في اليمن؛ لأن ضمان حصول الأطفال والنساء على التغذية الكافية لا يتعلق فقط بتعزيز الصحة والرفاهية الفردية، بل إنه تدخل إستراتيجي يعالج الأسباب الجذرية للتحديات الأوسع نطاقاً التي تواجهها اليمن.
أهم التوصيات:
لصناع السياسات:
– توسيع نطاق برامج التغذية الوقائية: تخصيص الميزانيات الوطنية لتوسيع نطاق التدخلات التغذوية الوقائية الفعّالة
التي تستهدف الفئات الأكثر ضعفاً. وتشمل هذه الفئات الفتيات اليافعات والنساء قبل وأثناء الحمل والأمهات
المرضعات والأطفال الصغار دون سن الثانية. وينبغي أن تركز التدخلات الرئيسية على تعزيز الرضاعة الطبيعية الخالصة،
وضمان جودة الأنظمة الغذائية خلال فترة التغذية التكميلية، وتوفير مكملات المغذيات الدقيقة، وتنفيذ مبادرات التخلص من الديدان.
– تعزيز البنية التحتية الصحية: الاستثمار في تطوير وإعادة بناء مرافق وأنظمة الرعاية الصحية المرنة، وضمان تجهيزها لتوفير خدمات التغذية القائمة على المرافق والتوعية لمنع التقزم والهزال ونقص المغذيات الدقيقة.
– النهج المتكامل: تطوير وتنفيذ السياسات والبيئة المواتية لدمج التغذية مع القطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم والزراعة والمياه والصرف الصحي والنظافة والحماية الاجتماعية لمعالجة الأسباب الكامنة وراء سوء التغذية بشكل شامل.
للمجتمعات:
– مبادرات التغذية المحلية: المشاركة في برامج التغذية المجتمعية التي تعزز ممارسات التغذية الصحية، بما في ذلك الرضاعة الطبيعية واستخدام الأطعمة المغذية المتوفرة محلياً.
– المشاركة المجتمعية: رفع مستوى الوعي وتثقيف أفراد الأسرة والمجتمع، وخاصة الأمهات ومقدمي الرعاية، حول أهمية التغذية لنمو الأطفال وتأثيرات نقص التغذية.
– حل المشكلات بشكل تشاركي: إشراك أعضاء المجتمع في تحديد تحديات التغذية المحلية والتعاون في إيجاد حلول مناسبة ثقافياً لمعالجتها.
للجهات المانحة وشركاء التنمية:
– زيادة التمويل المخصص لجهود التغذية في اليمن بشكل كبير، مع التركيز على التدابير الوقائية مثل تغذية الأمهات والفتيات اليافعات والرضع وصغار الأطفال، ومكملات المغذيات الدقيقة، والمياه، والصرف الصحي والنظافة، والخدمات الصحية المتكاملة.
– الالتزام بالتمويل المستدام طويل الأمد؛ لضمان استمرارية برامج التغذية واستدامتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن معالجة سوء التغذية بحاجة إلى جهود مطولة.
– الاستثمار في بناء قدرات المؤسسات والأنظمة الحكومية والمنظمات غير الحكومية المحلية والجمعيات المحلية لتنفيذ وإدارة برامج التغذية الفعالة.
– دعم جهود الدعوة الرامية إلى خلق التأثير بشأن إحداث التغييرات في السياسات الوطنية والدولية التي تعطي الأولوية للتغذية وتعالج الأسباب الجذرية لسوء التغذية في اليمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
* تأمين المستقبل، الاستثمار في التغذية من أجل تنمية الطفل وبناء الأمة في اليمن. منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). تاريخ النشر: 25 مارس 2025م.